باتت التكنولوجيا اليوم تسير بخطىً محمومة يصعب اللحاق بها، وغدت أخبار التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي التي تتردد يومياً أقرب إلى الخيال منها إلى الواقع. تُرى هل اقترب العصر الذي ستصبح فيه حياتنا مشابهةً لما كنّا نراه في أفلام الخيال العلمي؟ حيث يملك الجميع مركباتٍ طائرة تسير بنفسها والروبوتات تقوم بكل مهام البشر والبشر يهاجرون إلى الفضاء. على ما يبدو أن هذا قد يكون ممكناً في الأعوام القادمة! ولتفهم ذلك أكثر تابع معنا هذه السلسلة لتتعرف على أبرز التقنيات التي سوف تقلب حياتنا رأساً على عقب؛ كيف بدأ كلٌّ منها وإلى أين ستصل.
نعيش اليوم على أعتاب ما يسمى بـالثورة الصناعية الرابعة التي قام المنتدى الاقتصادي العالمي بالإعلان عنها عام 2016. ومما قيل فيه: ” نحن نقف على شفا ثورة تكنولوجية من شأنها أن تغيّر بشكل جذري الطريقة التي نعيش بها ونعمل ونتواصل مع بعضنا البعض”. وتتميز هذه الثورة عن الثورات السابقة بأنها تتطور بوتيرة أسيّة وليست خطيّة، والسبب الأساسي في ذلك هو أن المعرفة تتزايد وتتراكم بشكل غير مسبوق عبر التاريخ، وتشير الدراسات إلى أن المعرفة في العالم تتضاعف كل عام تقريباً.
ومن أهم أخبار التكنولوجيا وملامح هذه الثورة: إنترنت الأشياء، وتحليل البيانات الضخمة، والذكاء الاصطناعي، والطباعة ثلاثية الأبعاد، وتكنولوجيا النانو، والحوسبة الكمومية، والكثير من التقنيات الأخرى.
لنتعرف إذاً على هذه التقنيات من خلال أحدث أخبار التكنولوجيا.
إنترنت الأشياء Internet of Things (IoT):
إنترنت الأشياء أو الجيل الجديد من الإنترنت، ظهر مصطلح إنترنت الأشياء لأول مرة منذ نحو عقدين من الزمن عام 1999، وتم العمل على تطوير الفكرة في معهد ماساتشوستس للتقنية MIT حتى انتشرت عام 2009، ولفتت أنظار العالم التقني وبدأت بالتطور بشكل سريع تزامناً مع التقدّم في صناعة أجهزة الاستشعار الالكترونية (الحسّاسات) وتصغير حجمها وملاءمتها للعمل في بيئات مختلفة، إضافة إلى تطوّر تقنيات الشبكات والاتصالات اللاسلكية.
ما هو إنترنت الأشياء؟
منذ انتشار الإنترنت، كان الوصول إليه محصوراً بأجهزة الحاسب أو الهواتف الذكية عن طريق عنصر بشري يشرف على عملية الاتصال، لكن ماذا لو تمكنت الأجهزة المختلفة من التواصل مع بعضها دون الحاجة إلى تدخّلنا؟
من هنا جاءت فكرة إنترنت الأشياء وبشكل مشابه لأسلوب التواصل البشري، فالإنسان يتلقى البيانات من الوسط المحيط عن طريق حواسّه الخمس، ثم يقوم بتحليل هذه البيانات والحصول على معلومات مفيدة منها ثم يتبادلها مع الآخرين. إذاً لو قمنا بإضافة حسّاس ووحدة اتصال ووحدة معالجة وبطارية إلى أي أداة من حولنا ثم وصلناها مع أدوات أخرى لحصلنا على شبكة من الأشياء قادرة على نقل البيانات فيما بينها، وإذا أتحنا الفرصة لهذه الشبكة بالاتصال بالإنترنت نحصل على إنترنت الأشياء.
ما هي الأشياء في إنترنت الأشياء؟
حرفياً كل شيء! كل ما تراه حولك الآن قد يكون مستقبلاً متصلاً بالإنترنت، من كرسي المكتب إلى الثلاجة إلى السيارة وإشارات المرور. وتقسم هذه الأشياء إلى نوعين: أجهزة عامة مثل الثلاجة والغسالة والسيارة، والنوع الثاني أجهزة تحسّس وتقسم إلى حسّاسات ومشغّلات، تقوم الحساسات بالتقاط البيانات من الوسط المحيط مثل الحرارة والرطوبة والإضاءة، أما المشغلات فتقوم بتشغيل الآلات حسب الأوامر التي تصلها.
من أخبار التكنولوجيا وفقاً لإحصائيات شركة Cisco (الشركة الرائدة في مجال الشبكات على مستوى العالم)؛ ارتفع عدد أجهزة إنترنت الأشياء إلى 50 مليار في عام 2020، وسوف يزداد ليصبح 500 مليار بحلول عام 2030، وهو عدد كبير جداً نسبة إلى عدد سكان العالم. إذا تتوقع شركة Telefonica أن يكون لكل شخص بشكل وسطي 15 جهازاً متصلاً بالإنترنت.
ما هي الفائدة من إنترنت الأشياء؟
لنفهم هذه التقنية أكثر دعنا ننتقل في رحلة إلى المستقبل القريب: استيقظت اليوم صباحاً، التقط الحساس الذي في ساعة يدك الذكية هذه المعلومة وأرسلها إلى جميع الأجهزة المتصلة به لتبدأ هذه الأشياء بالعمل على راحتك وتهيئتك ليومك الجديد؛ تم رفع الستائر وفتح النوافذ لتدخل أشعة الشمس، كما بدأ سخّان المياه بالعمل حتى تتمكن من أخذ حمّام نظيف قبل التوجه للعمل، وقامت آلة صنع القهوة بتحضير فنجانك الصباحي وأخذ صوت فيروز يتسلل من مشغل الموسيقى.
كل هذا وأنت ما زلت تتمدّد في سريرك! وتستمع إلى الموسيقى وأخبار التكنولوجيا.
يوضّح هذا المثال البسيط ما نحن مقبلون عليه بفضل التطور الهائل في تقنية إنترنت الأشياء. يعمل إنترنت الأشياء على تغيير العالم إلى عالم ذكي حيث يمكن الوصول إلى كل شيء بشكل فعّال وسريع. ويتيح لنا التخلص من عقدة المكان، إذ تستطيع التحكم بأي شيء تريده من أي مكان بالعالم وفي أي وقت.
ما هي تطبيقات إنترنت الأشياء؟
لإنترنت الأشياء تطبيقات في جميع نواحي الحياة، مثل الصناعة والزراعة والرعاية الصحية والتجارة الالكترونية والأعمال وقطاع النقل والتدريب عن بعد. هناك بالفعل العديد من التطبيقات التي بدأ العمل بها في مختلف المجالات. في الدنمارك مثلاً تم تزويد الشوارع بمصابيح إنارة ذكية تستشعر الطرقات وتتصل مع بعضها عن طريق شبكة لاسلكية. وتقوم بتخفيض أو زيادة الإضاءة تلقائياً حسب الحركة في الشوارع مما يسمح بالاستفادة المثلى من الطاقة. وتتجه الحكومات في مختلف الدول لوضع خطط للتحول إلى المدن الذكية.
ما هي تحديات إنترنت الأشياء؟
مع تقدم التطبيقات القائمة على إنترنت الأشياء، والتوسّع في عدد الأجهزة المتصلة مع بعضها والتي تجمع البيانات باستمرار. تظهر مشكلتين رئيسيتين:الأمن والسرية: إذ يتم تصميم هذه الشبكات على أن تدخل في مختلف قطاعات الحياة، فماذا لو تم اختراق هذه الشبكات والوصول إلى هذه البيانات الحيوية الهامة؟ ستكون عندها النتائج كارثية.
الاستهلاك المكثف لموارد الحوسبة والطاقة: بسبب الكمية الهائلة من البيانات التي يتم توليدها. والتي يجب تحليلها ومعالجتها والعمل على استخلاص المعلومات منها.
ترتكز أغلب الدراسات والأبحاث في مجال إنترنت الأشياء حالياً على حل هذه المشاكل. حتى نستطيع قريباً التمتع بمزايا هذه التكنولوجيا الرائعة.
الذكاء الاصطناعي Artificial Intelligence
هو أحد فروع علم الحاسب، تم طرح هذا المصطلح لأول مرة عام 1956 في أول مؤتمر للذكاء الاصطناعي على الإطلاق. لكنه بدأ ينتشر خلال العقد الأخير تزامناً مع تطور صناعة المعالجات وانتشار الإنترنت على مستوى العالم.
ما هو الذكاء الاصطناعي؟
يعتبر الإنسان اليوم من أقوى الكائنات الموجودة على سطح الأرض، رغم صغر حجمه وضعف قدراته البدنية فما هو السر في ذلك؟ وكيف استطاع الإنسان مواجهة الطبيعة؟ تتلخص الإجابة في كلمة واحدة وهي: الذكاء؛ أو المقدرة على التعلم والتفكير. وما نقصده هنا هو فعالية العقل البشري في تحليل البيانات. واستخلاص معلومات مفيدة منها، وتحويلها إلى معرفة تساعده في حل مشكلاته واتخاذ قرارات سليمة بسرعة، ويتم ذلك عبر شبكة عظيمة من الخلايا العصبية المقدّرة بمائة مليار عصبون.
اليوم أصبحت الآلات قادرة على حل معادلات رياضية معقدة وإجراء ملايين العمليات الحسابية في الثانية. وتفوقت بذلك على الإنسان في هذا المجال. هل نستطيع إذاً أن نقول إنها ذكية؟ ببساطة لا يمكن ذلك لأن هذه الآلات تعمل وفق برامج قام الإنسان بكتابتها. هذه البرامج عبارة عن مجموعة من الأوامر المحكمة التي تلتزم الآلة بتنفيذها بالترتيب لتحقيق هدف معين. وفي حال واجهتها مشكلة جديدة فهي بحاجة لتدخل المبرمج.ومن هنا جاءت فكرة الذكاء الاصطناعي. وهو العمل على تعزيز الآلات حتى تصبح قادرة على حل المشكلات واتخاذ القرارات بشكل مستقل وذكي؛ عن طريق تطبيق خوارزميات متعددة تقوم بتقليد طريقة عمل العقل البشري.
كان التطور في مجال الذكاء الاصطناعي في البداية بطيئاً جداً بسبب ضعف المعالجات آنذاك. وحاجة الآلات إلى كميات هائلة من البيانات حتى تتمكن من صنع قرارات مما يستغرق وقتاً طويلاً جداً. كما كانت وسائط تخزين البيانات محدودة للغاية.
تطبيقات الذكاء الاصطناعي
ولكن مع التطور الحاصل في صناعة الحواسيب بدأ عالم الذكاء الاصطناعي بالنمو. وكان أول حدث بارز في هذا المجال عام 1997. عندما تمكن الحاسوب الذكي Deep Blue المصنّع في شركة IBM من هزيمة بطل العالم للشطرنج غاري كاسباروف. وتسارعت بعدها عجلة الذكاء الاصطناعي ليصبح اليوم موجوداً في أغلب تفاصيل حياتنا، ومن الأمثلة على ذلك:مواقع التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك ويوتيوب تقوم بتحليل بيانات استخدامك للموقع لتنظيم محتوى الصفحة الرئيسية وتقديم الاقتراحات؛ باستخدام تقنيات تعلم الآلة وهي أحد فروع الذكاء الاصطناعي.
تقنيات التعرف على الكلام الموجودة اليوم في جميع الهواتف الذكية تعتمد على تقنيات معالجة اللغات الطبيعية وهي فرع من فروع الذكاء الاصطناعي.
تقنيات التعرف على الوجوه وكشف العناصر في الصور تعتمد على تقنيات الرؤية الحاسوبية وهي أيضاً أحد فروع الذكاء الاصطناعي.
للذكاء الاصطناعي الكثير من التفرعات والتقنيات والخوارزميات، التي يمكن استخدامها في مختلف المجالات لتحقيق مصلحة الإنسان.
أنواع الذكاء الاصطناعي
الذكاء الاصطناعي المعروف اليوم يمكن تسميته بشكل أكثر دقة بـالذكاء الاصطناعي الضيق (أو الضعيف) Artificial Narrow Intelligence، هذا النوع من التطبيقات مخصص لأداء مهمة معينة في مجال واحد، ويكون قادرا على تقديم أداء خارق يفوق قدرة الإنسان في هذا المجال، مثل لعب الشطرنج.
هناك نوعين آخرين من الذكاء الاصطناعي، وهما:الذكاء الاصطناعي العام (أو القوي) Artificial General Intelligence: هذا النوع من التطبيقات سوف يتفوق على البشر في كل مهمة معرفية تقريباً. لا يوجد أي دليل عملي على وجود هذا النوع من الذكاء حتى اليوم، ويعتبر من الأهداف طويلة الأمد للباحثين في مجال الذكاء الاصطناعي.
الذكاء الاصطناعي الفائق (أو الخارق) Artificial Super Intelligence: هذا النوع سوف يتفوق على ذكاء وقدرة الدماغ البشري. أي سوف نفقد القدرة على توقع قرارات هذه التطبيقات، وهو النوع الذي يخشى العلماء والباحثون من ظهوره.
من أخبار التكنولوجيا والأمثلة الشهيرة على تفوق تقنيات الذكاء الاصطناعي الروبوت صوفيا، الذي تم تطويره في مختبرات Hanson Robotics في هونغ كونغ. لدى صوفيا مظهر إنساني وذكاء اصطناعي! ورغم أنها لا تستطيع فهم أو تحديد المشاعر الإنسانية؛ إلا أن لها القدرة على الاستجابة للتفاعلات مع البشر بتعبيرات الوجه المناسبة. كما تستطيع الإجابة على أسئلة معينة وإجراء حوارات بسيطة في مواضيع محددة. تم تشغيل صوفيا عام 2015 وقدمت عدة مؤتمرات وزارت العديد من الدول، يمكنك مشاهدة أحد لقاءاتها
هنا، كما حصلت صوفيا على الجنسية السعودية عام 2017 لتكون بذلك أول روبوت يحصل على جنسية، وقد أثارت هذه الجنسية عدة تساؤلات حول الحقوق المدنية لهذا الروبوت، وهل تعطيل نظامه أو إيقافه عن العمل يعتبر جريمة قتل؟
الذكاء الاصطناعي للأشياء Artificial Intelligence of Things
بعد أن تعرفنا على هاتين التقنيتين الرائعتين والتطبيقات العظيمة لكل منهما في مختلف المجالات، دعونا نفكر. ماذا لو تم دمجهما سويّاً في تطبيقٍ ما؟
سوف نحصل على تقنية الذكاء الاصطناعي للأشياء التي تعتمد على تكامل تقنية الذكاء الاصطناعي مع تقنية إنترنت الأشياء. يتم خلالها تحليل الكميات الضخمة التي يتم جمعها بواسطة تقنية إنترنت الأشياء باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي. وتحويلها إلى معلومات مفيدة تساهم في تحسين عمليات اتخاذ القرار.
تخيّل أن شبكة إنترنت الأشياء هي الجهاز العصبي الرقمي للنظام الذي يقوم بتلقي البيانات ونقلها إلى دماغ النظام المتمثل بالذكاء الاصطناعي الذي يقوم باتخاذ القرار المناسب. ثم يمرره إلى الشبكة لتنفيذه. كل ذلك بدون أي تدخل بشري.
يجري اليوم تطبيق هذه التقنية في العديد من التطبيقات، ومن الأمثلة البسيطة عليها:المتاجر الذكية: يتم استخدام كاميرات ذكية مزودة بتقنية الرؤية الحاسوبية التي تمكّنها من التعرّف على الوجوه لتحديد العملاء لحظة دخولهم الباب. يقوم النظام بجمع بيانات العملاء. بما في ذلك جنس كل عميل وعمره والمنتجات التي حصل عليها ومعدل زيارته للمتجر والعديد من النقاط الهامة. ثم يقوم بتحليل هذه البيانات للتنبؤ بسلوك المستهلك. ثم يستخدم هذه المعلومات لاتخاذ قرارات حول عمليات المتجر من التسويق إلى ترتيب المنتجات وما إلى ذلك. كما يمكن لهذه الكاميرات تحديد المتسوقين والسماح لهم بتخطي عملية الدفع كما يحدث في متجر Amazon Go.
المركبات ذاتية القيادة: مثل أنظمة الطيار الآلي من Tesla التي تستخدم الرادارات والسونارات ونظام تحديد المواقع والكاميرات لجمع البيانات حول ظروف القيادة. ثم تستخدم نظام الذكاء الاصطناعي لتحليل هذه البيانات واتخاذ القرارات بناء عليها.
لقد فتح عصر الذكاء الاصطناعي للأشياء الباب لكثير من الابتكارات. وتتهافت اليوم الشركات الكبرى والشركات الناشئة في استثمار هذه التقنية لطرح أفضل الحلول لتحسين حياتنا.
أعلم أن رأسك بات يؤلمك من كل هذه التقنيات الآن وأخبار التكنولوجيا العجيبة، لكن صدقني الأمر لم ينتهي بعد. ما زال هناك العديد من المفاجآت العلمية والتقنيات المذهلة. والآن شاركنا رأيك. هل تعتقد أن هذه التقنيات قد تشكّل بداية نهاية الجنس البشري كما حذّر ستيفن هوكينغ: “أنا متفائل بتطبيق الذكاء الاصطناعي. لكن إذا لم يتم بشكل صحيح قد يؤدي إلى انهيار الجنس البشري”، أم أنها ستحقق حلم الإنسان الأزلي بالرفاهية والراحة؟